قبل أن تكون حروب التحرير موارد وإمكانات مادية. إنها جاهزية بطولية في نفوس الناس وإرادة شديدة وهذه الأخيرة تبتكبر أدواتها بكثير من الجهد والمشقة والصبر.
كل قوة سياسية واقتصادية وعسكرية، محلية أو أممية وعالمية نراها اليوم، كانت إرادة وأصبحت ابنة لها. داخل هذه الحقيقة دارت مأرب. بلدة المقاومة ذات الإرادة والبطولة.
هذه البلدة انهال عليها أدعياء السياسة الواقعية بنصائح خاوية. قالوا لها : هذا ظرف لا يسمح بالمقاومة. الوقت في صالح الجماعة. هذه الأرض لم تعد صالحة بعد أن صارت محاصرة من اتجاهاتها الثلاث، من حولك الظروف الإقليمية والدولية ليست في صالح خيار المقاومة.
أغلقوها أوغاد النصائح الواقعية على مأرب من كل مكان وفي كل ظرف. لكنها سخرت منهم جمعياً، وهزأت من لغة الأعذار. قالت للجميع: حرب التحرير تفرض نفسها في كل مكان ورغم كل الظروف.
بل ان خيار المقاومة يعيد تشكيل الظروف ويخلق أوضاع جديدة. اعتلت سرجها، ومضت على الدرب تقاتل وتجاهد وتجتهد، تهاجم وتهجم فتهزم وتنتصر وتتراجع وتتقدم، تستنزف الأعداء وتفتك بقدراتهم وتدفن شهدائها وتبني قدراتها. وكل من اجتاحهم اليأس تتركهم خلفها وتطلب منهم أن يدعوها ويودعوها.
ومن رأت فيهم روح المقاومة تستقبلهم وتدعهم إلى إتباع الدرب. دربها. درب المقاومة الشاقة التي لا تعد أحد بسلق الانتصارات الناجزة، لكنها قطعت وعداً لشعبها وبلدها ويمنها بالاستمرار في حرب التحرير حتى النصر.
بقيت تقاوم وتهتك أسطورة الحوثية وتفتك بتنظيم السلالة وسلاحها وعتادها، وتكسر القدرات الإيرانية ورسخت في أذهان السياسية الإيرانية حقيقة أن اليمن عنيدة وطاردة. فعلت مأرب كل ذلك وأنضجت لليمنيين شروط هزيمة السلالة العنصرية وأطماع فارس.
تحملت العناء لترسخ معنى البلد والكرامة. تحدت الظروف رغم هولها، وصمدت. تصدت لأكثر من ثلاث مائة هجوم شامل خلال عامين، ومع كل هجوم كانت آلة الدعاية الإيرانية وقنواتها تردف خبراً عن سقوط مأرب خلال الساعات القادمة.
تمضي الهجمات إلى حتفها وتمر الساعات والأيام وتبعتها الشهور والسنوات، ولا يسمع الأعداء غير ثبات مأرب وسخرية سلطان: لن تدخلوا مأرب حتى وإن خرج حسين ابن بدر الدين من القبر.
صمدت مأرب كما لم تصمد كل مدن العالم، وها هي عادت تهاجم وتلتحم بعمالقة التحرير.