الميلاد: 1936 تقريبا
الوفاة: 7 رمضان 1441هـ، 12 مايو 2019
ولد الشيخ محسن بن علي بن حسن بن معيلي في “المكراب”، إحدى عزل مديرية “مارب الوادي” (وادي عبيدة) بمحافظة مأرب، والده الشيخ “علي بن حسن بن معيلي”، أحد أكبر مشايخ محافظة مأرب عامة والوادي خاصة.
تربى الشيخ محسن في كنف والده الشيخ “علي بن حسن بن معيلي”، وتعلم منه الكثير في العرف والشجاعة والحكمة، وهي السمات التي ميزت الشيخ محسن ووالده، وجعله محبوباً لدى كل أبناء المحافظة وجميع القبائل خارج المحافظة.
كان للشيخ محسن بن علي دور كبير وبارز في ثورة 26 سبتمبر 1962 ضد حكم الأئمة، حيث كان قائداً كبيراً في صف الجمهوريين والقوات التي حاربت الملكيين على مدى سنوات بعد الثورة.
برزت الروح الثورية لدى الشيخ محسن في الكثير من زوامله التي كان يرددها في الكثير من المناسبات، حيث كان يقود المجاميع القبلية في حرب الجمهوريين والملكيين، ثم حرب الجمهورية العربية اليمنية والجبهة القومية التي وصلت إلى حدود محافظة مأرب من الجهة الشرقية، أو في حروب قبيلة عبيدة مع الدولة.
في الزامل التالي مثال حي على الروح الجمهورية التي لفظت حكم “السيد”، ووقفت في صف الجمهورية، حيث يتعهد الشيخ “محسن” بالبقاء جمهورياً مادام حياً، ويرى السوابع (السبعة النجوم)، ومادام سلاحه المدفعي (البي عشرة) يضرب ويهز مواقع السيد ومن معه من المقاتلين، في إشارة لأتباع الملكية.
جمهرة ما دمت اشوف السوابع ... وكل رجعي حالف ما اتبعه عـاد بـي عـشـره يـهـز المـواقـع ... يا عنا السيد ومن هو معه
موقف بن معيلي من الحوثي والحرب
هذه المادة ننقلها كما وردت في صحيفة الشارع، العدد الصادر يوم 14 ديسمبر 2014، بعد تأسيس مطارح “نخلا” النواة التي تشكلت منها المقاومة الشعبية لمواجهة ميليشيا الحوثي، وهي عن زيارة الصحفي “محمد مسعد دماج” للشيخ محسن إلى منزله في “المكراب” بمأرب، للاستفسار منه عن موقفه من الحوثي والحرب التي كانت قد اندلعت في عدد من مناطق اليمن.
“المَرْجَعْ” بن معيلي
في الثامنة مساء، دخل ذياب إلى المنزل وعاد ليدعوني، وأخاه عبد الله، للقاء والده. من باب في جدار الباحة، أمام المجلس، ولجنا إلى باحة أخرى تلتف حولها مباني المنزل.
إلى اليمين خيمة مفروشة ملتصقة بمجلس آخر، دخلنا إليه من وسط الخيمة. ظهر بن معيلي أكثر تعباً مما تصورت، كان نجله عبد الله قد أخبرني أنه في عمر الـ 78، لكنه بدا لي أكبر من ذلك، بادلني التحية بصوت متهدج ومجهد؛ حتى أنني ترددت بشأن أسئلة المقابلة، وهممت بتوديعه.
بعد لحظة ارتباك، جلست أمامه، وبدأت بطرح الأسئلة؛ ليرد بن معيلي ببضعة كلمات ينتقيها ببطء ودقة، ثم يصمت مطمئناً إلى أنه قال ما يكفي.
طلبت تقييمه لما يجري في مأرب، وسألته عن موقفه تجاه الاتفاق الذي طُرح، مؤخراً، بين الحوثيين، من جهة، وقبائل “عبيدة” و”الأشراف”، من جهة أخرى.
يلزم هذا الاتفاق مشايخ “عبيدة” و”الأشراف” بتأمين الطريق للحوثيين “كغيرهم من أبناء الشعب”، وحماية خطوط الكهرباء وأنبوب النفط، أو دخول الحوثيين للقيام بهذه المهام.
وفي المقابل، التزم الحوثيون بـ”الضغط على الدولة لتنفيذ مطالب أبناء مأرب”، وطبقا لأحد مشايخ “الأشراف”، فقد طرح هذا الاتفاق مبارك المشن الزايدي، مسؤول الحوثيين في مأرب، وسلمه إلى الشيخ حمد بن جلال، شيخ “آل جلال” في “عبيدة”. وبعد أن وقعه الحوثيون، وقع هذا الاتفاق الشيخ بن جلال وعدد من مشايخ “عبيدة” و”الأشراف”.
بلغة مقتضبة، تحدث بن معيلي عن اختلاف مواقف القبائل تجاه الاتفاق الذي لم يوافق عليه، وتجاه توجه الحوثي لدخول المحافظة. لا يذكر بن معيلي أسماء، ولا يظهر في نبرته مدى اختلافه مع المواقف المناقضة.
وبعقلية “المَرْجَعْ”، يحاول بن معيلي ردم الشرخ القبلي لا توسيعه؛ فهو لا يحصر “الطرف الآخر” في زاوية الخصومة؛ وإنما يتحدث بعموم كما لو أنه يضع قوانين الأمور ويخاطب الجميع بالحكمة.
لم يوافق بن معيلي على اتفاق (الحوثيين) مع “عبيدة” و”الأشراف”، ويرى أن “كثير من القبايل ما وافقوا عليه” كونه عرضة للخرق: “يمكن أي واحد يتسبب في خرق الاتفاق وتحدث مشاكل”.
أما عن توجه الحوثي لدخول المحافظة، فيرى بن معيلي أن “الحوثي لو وقف في صنعاء كان يمكن في خير للبلاد، لأنه في قبايل كثير ما هي راضية يدخل مارب بالسلاح”.
لكن بن معيلي يدرك أن هناك آخرين متفقين مع الحوثي، وهؤلاء بحسب توصيفه: “يتواصلون معه، يدورون للعيشة”؛ في إشارة إلى أن علاقة هؤلاء القبليين بالحوثي قائمة على مصالح مادية.
وفيما يبقى موقف الدولة غامضاً تجاه صراع محتمل في مأرب تظهر بوادره في تحشيد حوثي، واحتشاد قبائل تعارض دخوله المحافظة بمسلحيه؛ يرى بن معيلي أنه إذا لم تتدخل الدولة “ستحدث مشاكل ما هي في مصلحة الناس”.
أما ما يتعلق بأعمال الاعتداءات على أبراج الكهرباء، وأنبوب النفط، فيتهم بن معيلي القبائل بأنها “مقصرة في منع المخربين” الذين قال إنهم يدّعون “مطالب ما لهم فيها حق”.
أبديت استغرابي تجاه اتهامه للقبيلة وهو شيخ مشايخ “عبيدة”، فأوضح على طريقته في قول الحكمة: “كثروا المشايخ.. قد مشايخ الدولة كثير”.
كان يضغط على ياء “كثِير” بسخرية ومرارة، يؤكد الرجل أن “القبْيَلة” “ما عادها مثلما كانت”.
تذكرت “زاملا” قديما لبن معيلي نعى به القبيلة منذ سنوات:
يا نقم وين عاد القبْيَلة توجد .. وين عهد الوفا واسلاف محمودة غيروا وجهها الصافي بوجه اسود .. واجدبت الارض ذي بالخير معهودة
اشتهر الشيخ محسن بن معيلي في حل الخلافات؛ حتى أن روايات الأهالي عنه تتضمن الطرافة أيضاً. من السائد هنا أن نقاش أي خلاف يبدأ بأن يأمر الشيخ المُحَكّم أطراف القضية والحاضرين بالصلاة على النبي: “صلوا على النبي”، وهذه تعد فاتحة للخوض في نقاش الخلاف بين الأطراف.
وذات قضية كان أطرافها ينتظرون الشيخ محسن في مجلس مقيل، دخل أحد الواصلين وخاطب من في المجلس بالقول: “صلوا على النبي”، وعندها صرخ أحد الحاضرين قائلا: “لا لا.. عاد محسن ما قد جاء”، لكنّ شيخ “عبيدة” أتعبه أصحابه كما قال في “زامل قديم”:
من عيا الأصحاب يا ما بحالي ... ليتنا جمّال والا بتول ان دعيته قال مالك ومالي ... وان تركته ما عرف للحلول
“المَرْجَعْ” محسن بن معيلي هو الشيخ الوحيد في مأرب لا يتسلم راتبا من أي جهة خارجية، بحسب مصادر قبلية موثوقة، ولابن معيلي دور ريادي في ثورة سبتمبر، وهو بحق مسيرة نضال على مستوى القبيلة والدولة.
“مشائخ 96”
من يسميهم بن معيلي بـ”مشائخ الدولة” يسميهم آخرون بـ”مشائخ 96″، لم أجد تفسيراً لارتباط التسمية بعام 1996 بالتحديد؛ لكن هذه التسمية تشير إلى “مشائخ جدد فرختهم الدولة لمحاربة المشائخ الأصليين”. ويرى هؤلاء أن القبيلة انسلخت، بفعل “مشائخ 96″، عن أعرافها وتخلت عن “نصرة المظلوم ومحاربة السفهاء”، فيما بقيت متمسكة بالسلاح تطالب بالامتيازات. ويشيرون إلى أن المحصلة كانت دولة مهترئة وقبائل ممسوخة.
ا